English
رؤى
من "الشرائح" إلى "المخرجات"
فك تشفير "لغة الاستشارات"
دينا راشد
سكندر بن أحمد
May 19, 2025
اللغة
التفكير النقدي
الاستشارات

باعتبار دينا راشد وسكندر بن أحمد عضوين من فريق السرد الاستراتيجي في شركة رؤية، فهما يفكران بحذافير اللغة والمفردات بشكل يومي. بالنسبة لكلاهما، كانت تجربة العمل في رؤية أول احتكاك بعالم الاستشارات، واكتشفا مع مرور الوقت أن هناك كمًّا هائلًا من العبارات المتداولة التي لم يسمعا بها من قبل. ومن هنا انطلقت فكرة إعداد قائمة بهذه العبارات وإجراء محادثة صريحة حول اللغة وتأثيرها وتجاربهما الشخصية معها.

ملاحظة: تم ترجمة هذه المحادثة من اللغة الإنجليزية.

دينا راشد: حسنًا إذًا، لقد حضّرنا أنا وأنت قائمةً من العبارات والمفردات التي سمعناها من زملائنا وأقراننا، وسميناها "لغة الاستشارات"، ثم قررنا أن نتفكّر ونتناقش بها. أريد أن أبدأ بهذا السؤال: كيف تظنّ بدأت ظاهرة "لغة الاستشارات"؟

سكندر بن أحمد: نعم، أظنّ أنّه من الطبيعي استخدام كلمات محددة ومخصصة للتعبير عن الأنظمة الاعتيادية، مثلًا، الجراح أو الطبيب قد يسمّي الكدمة "تورّم سببه صدمة"، ومن هذا المنظور، يمكن القول أنّ هناك حاجة تولّد هذه اللغة.

دينا راشد: لقد قمت بالبحث عن الموضوع، ووجدت أنّ شركات الاستشارات المهمة كانت تستخدم هذه العبارات في منشوراتها وتقاريرها وما إلى ذلك، فانتشرت العبارات وأصبحت جزءًا من اللغة التي يستخدمها المستشارون و"روّاد الأعمال" يوميًا. وكما قلت، هدفها دقة الحديث. ولكنّني أشعر أنّها ليست دائمًا مواتية للنجاح، وقد وجدت أنّ الكثير من الناس يعبّرون على مواقع المنتديات عن عدم ارتياحهم باستخدام هذه اللغة وعن قلقهم أن يستخدموها في حياتهم اليومية دون قصد. ما هي برأيك فائدة استخدام المصطلحات المهنية هذه؟

سكندر بن أحمد: حسنًا، نواجه الآن سؤالًا مهمًا. هل تعتبر لغة الاستشارات أساسية عند التحدث بين مستشار وآخر، أم بين مستشار وعميل؟ إن كان الحديث بين مستشارَين، فقد تكون اللغة عاملًا مهمًّا في تحقيق التفاهم وكما يقولون، "ألّاينمينت" أي المواءمة. أمّا بالنسبة للعلاقة بين المستشار والعميل، حيث يشعر العميل بالارتياح والثقة مع المستشار، أجد أنّ من الممكن أن تحدث لغة الاستشارات نتائج عكسية، فقد تسبّب التباعد وتزعزع الثقة، وقدّ يفكّر العميل: "هل يتحدّث المستشار بشكل صادق أم أنّه يتلاعب بالكلمات فحسب؟"

دينا راشد: أجل، هذا صحيح! كان أحد العوامل التي وجدتها عن سبب استخدام هذه اللغة أنها تسمح للمستشار بصياغة كلماته على شكلٍ أكثر تأديبًا، فهي دائمًا تموّه التعابير الأكثر صراحةً أو "فجًّا" مثلًا.

سكندر بن أحمد: الحديث بدبلوماسية.

دينا راشد: لنتخيّل لو كنت تنشئ شركة ترجمة فورية، وقمت بتعيين شركة استشارات لإعداد خطّة اتصال، فيأتونك ويقولون شيئًا من قبيل: "نحن في خضم تحضير شرائح عن الإلهامات المصغرة". كيف ستكون ردة فعلك؟

سكندر بن أحمد: سأكون متوترًا وقد أتوجّس من طريقة العمل.   

دينا راشد: هل كنت ستشعر أنّ حديثهم مبني فعلًا على معرفة وخبرة؟

سكندر بن أحمد: جزء منّي قد يقول: "هم الخبراء، فلا داعي للقلق". أليس كذلك؟ ولكنني سأكون أكثر ارتياحًا لو استخدموا الكلام الواضح البسيط، عربيًا كان أم إنجليزيًا. ومع ذلك، أعتقد أن مزيجًا صحيًا من كليهما قد يكون الحل الأمثل، حيث أنّني سأستفيد من تعلّم مصطلحات المهنة حتى لو كنت من خارجها. ما رأيك أنت بالموضوع؟ 

دينا راشد: بصراحة، لو عيّنت شركة استشارات واستخدموا مصطلحات لا أفهمها لتقديم بعض المفاهيم لي، فإنّني سأشكّ بفعاليّتهم. ولكنّ الأمر مثير للاهتمام لأن سببي الأساسي لاستخدام لغة الاستشارات هو أن أمنع الناس من التقليل من شأني، أو أن أعزّز شعوري بالثقة. عدا عن ذلك، فلا أراها فعّالة بالضرورة، ولا أستخدمها عندما أتكلّم على طبيعتي، ولذلك أجد عندي بعض الـ"بوشباك" أو المقاومة لتبّني هذه اللغة بشكل كامل. وهذا يقودني إلى سؤالي التالي: هل تتمنى لو حدّثك أحدهم عن هذا الموضوع عندما بدأت بالعمل الاستشاري؟  

سكندر بن أحمد: لا أظنّ ذلك، فهذا جزءٌ من تجربة التعلّم، وبصفتي شخصًا مهتمًّا باللغات، فقد وجدت الموضوع مسلّيًا.

دينا راشد: بالنسبة لي، كنت بالتأكيد أفضّل المزيد من التوضيح، لأنّني عندما بدأت العمل، كان يربكني حتّى استخدام كلمة "ديك" أو "شرائح" بدل "بريزينتيشن" أو "عرض". كنت فقط أمثّل أنّني أفهم ما يقصده الناس وهم يتحدثون. لكن أتوقع أن الناس الذين نعمل معهم، بما أنّهم يستعملون هذه اللغة منذ فترة طويلة كجزء من عملهم اليومي، لهم نظرة مختلفة عن الموضوع.

سكندر بن أحمد: صحيح، أو من الممكن أنّهم يفكّرون بنفس الطريقة ولكنهم يشعرون أنّ مكان العمل ليس المكان المناسب لمشاركة آرائهم، أليس كذلك؟

دينا راشد: هذه نظرة ذكية. حسنًا، لأختبر معرفتك، لقد حضّرت قائمة من الكلمات والعبارات الشائعة ولكن من الممكن أنّها لم تمرّ عليك. أوّل عبارة هي "أون ذا بيتش" بمعنى "على الشاطئ".

سكندر بن أحمد: يعني أن تؤجّل أو توقف شيئًا ما لفترة معيّنة، صحيح؟ مثل قول "لقد فكرنا بفعل شيءٍ ما السنة الماضية، ولكنّه على الشاطئ من ذلك الحين".

دينا راشد: ليس تمامًا. سأعطيك مثالًا: "إنّ سكندر على الشاطئ لهذا الشهر".

سكندر بن أحمد: إنّه يتّخذ دورًا ثانويًا، أو لا يشارك بفعاليّة لمدّة هذا الشهر.

دينا راشد: صحيح! أي إنّه في إجازة أو لا يستقبل العملاء الآن. هناك عبارة أخرى لها علاقة بالمياه، وهي "بويلينج ذا أوشن" أو "غلي المحيط". تعجبني هذه العبارة.

سكندر بن أحمد: أن تكون طموحًا بشكل زائد، وكأنك تحاول أن تغلي المحيط؟

دينا راشد: أنت في الاتجاه الصحيح.

سكندر بن أحمد: تحقيق المستحيل؟

دينا راشد: هذا التفسير منطقي جدًا مع أنه غير صحيح، ولذلك أشعر أنّ هذه اللغة كلّها غير دقيقة. على أي حال، إليك مثال: "لا تغلِ المحيط لتعطني الرقم المحدد الصحيح، بل أعطني التقدير فقط".

سكندر بن أحمد: لا تفكّر بشكل زائد، مثلًا؟ لا تُجهد نفسك أكثر من اللازم.

دينا راشد: نعم، لقد حزرتها! حسنًا، لقد سمعنا في اجتماعاتنا "بيينغ أغنوستيك" أو "أن تكون لاأدريًا" عن شيٍ ما، وسمعنا "باركنغ لوت" أو "موقف السيارات"، وكذلك "سبايسي وورريز" أو "هموم متوترة". إّلا أن العبارة المفضّلة لدي قد تكون "دوبل كليك" أو "النقر المزدوج". لم نسمع هذه العبارة من قبل بشكل مباشر ولكنّني أرجو أن تمرّ عليّ يومًا ما. هل يمكنك تخمين ما تعنيه هذه العبارة؟

سكندر بن أحمد: هذه عبارة مضحكة. حقيقةً، لا أعرف ما تعنيه.

دينا راشد: إليك مثال: "هل لنا أن نتوقف قليلًا ونقوم بالنقر المزدوج على هذه النقطة؟" هي عبارة غريبة للغاية، ولكنها رائعة لأنّها مجرّدة من الشاعرية، فهي فقط عن النقر المزدوج. لذلك أحبّها. 

سكندر بن أحمد: هي أشبه بنوع من اللغة مختلف بشكل جذري، لذا أتساءل إن كانت لهذه العبارات نفس التأثير في اللغات غير الإنجليزية.

دينا راشد: هل وجدت أحدًا يستخدم لغة الاستشارات باللغة العربية؟

سكندر بن أحمد: لا، ليس بنفس الطريقة، إلّا أنّ لدينا الكثير من الأقوال المأثورة التي تشكّل إحدى أفضل الطرق لإيصال المعنى المطلوب وإرساء التفاهم بشكل فعّال. على سبيل المثال هذه الآية القرآنية التي نستخدمها على الدوام،  يقول تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم"؛ ففي كثير من الأحيان نواجه نتائج تخالف رغباتنا، لنكتشف لاحقًا أن تلك اللحظات كانت تخفي لنا فرصًا تفوق توقعاتنا.  

دينا راشد: هذه رسالة مهمّة وتتوافق مع عمل الاستشارات. من الممكن أن تكون لغة الاستشارات ظاهرة محدودة باللغة الإنجليزية، وأتوقّع أنّ متكلّمي اللغات الأوروبية الأخرى يدخلون نفس العبارات الإنجليزية مع لغتهم، فقد يقولون مثلًا "سيركل باك" أو "لنعود لهذه النقطة" بنفس طريقة اللفظ الإنجليزية.

سكندر بن أحمد: باللغة الفرنسية، يستعيرون دائمًا العبارات الإنجليزية مثل "تيم بيلدينغ" أو "بناء الفريق" و"ستارت أب" أو "شركة ناشئة". أتعتقدين أنّ على الشخص مثلًا أن يذهب إلى مدرسة ما لتعلّم طريقة الكلام هذه؟

دينا راشد: يوجد موقع إلكتروني يعتبر بمثابة معجم للّغات الغريبة، ولكنّ المثير للاهتمام أنّني أحيانًا لا أفهم المعنى حتّى بعد قراءة التفسير.

سكندر بن أحمد: معظم الفهم يتكوّن مع تكرار التعرّض لهذه اللغة وتعلّم استخدام مصطلحاتها.

دينا راشد: أجل، بالتأكيد. في ختام حديثنا، لديّ سؤالٌ أخير: أتريد متابعة عادتنا في مشاركة هذه المصطلحات كلّما مرّت علينا؟

سكندر بن أحمد: يسعدني ذلك! فهي تعطي منظورًا مختلفًا للتعلّم عن مجال عملنا، وأعتبرها بمثابة نوع من الوعي. لقد كانت تجربة تعليمية ممتعة بالنسبة لي.

دينا راشد: لقد ساعدني هذا الحديث على تقبّل الشكّ بالنفس الذي أشعر به أحيانًا وتحويله إلى فرصة للتعلّم. كما أن مجرد الاعتراف بوجود هذه الظاهرة كان مفيدًا أيضًا، فأدركت أنني لست الوحيدة التي تجد هذا الأمر محيّرًا ومثيرًا للاهتمام في نفس الوقت. وآمل أن تساعد هذه المدوّنة الآخرين على الشعور بذلك أيضًا.

تجدنا هناFind it in English

دينا راشد

تحب دينا سرد قصص ذات صلة بالقرّاء وبمغزى واضح وشامل، وتستمتع بألعاب الفيديو، وأدبيات الرعب، ودوامة المحتوى الرقمي.
يمكنك التواصل مع
دينا راشد
عن طريق
dina.rashid@rpr.ae

سكندر بن أحمد

يتمتع سكندر بشغف للكتابة والبحث والترجمة. قبل انضمامه إلى رؤية، قاده عشقه للسفر إلى شوارع المكسيك وأمريكا الوسطى. انطلق بعدها لإعادة استكشاف مسقط رأسه تونس، حيث انخرط في العمل البيئي، ووثق مشاركته مع الجمعيات غير الحكومية المحلية والدولية من خلال ال
يمكنك التواصل مع
سكندر بن أحمد
عن طريق
skander.benahmed@rpr.ae
شارك مشاركة المدونة هذه على